أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

توجهات سلمية:

مستقبل البرنامج النووي التركي

10 أغسطس، 2015


إعداد: أحمد عبدالعليم

 تتأثر تركيا بشكل كبير بالتفاعلات السياسية القائمة في الشرق الأوسط، خاصةً في دول الجوار، حيث تعاني سوريا من انقسام كبير، ويواجه العراق المخاطر المتصاعدة لتنظيم "داعش" الإرهابي في ظل وضع أمني سيء، فيما تحقق إيران، الجار القوي، مكاسب متعددة بانفتاحها المتوقع على الغرب إثر المفاوضات النووية، لاسيما بعد التوصل للاتفاق النهائي في يوليو الماضي، وكلها أمور تؤثر بلا شك على الأمن القومي التركي، علاوة على بعض المستجدات الأخرى التي قد تستدعي الحديث عن إمكانية امتلاك تركيا لبرنامج نووي يمنحها قوة الردع الكافية لتجنُّب العديد من المخاطر المتزايدة.

في هذا السياق، أصدرت مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في مارس 2015 كتاباً يحمل عنوان: "مستقبل تركيا النووي"، وحرره كل من "George Perkovich" نائب الرئيس للدراسات بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، و"Sinan ulgen" الباحث الزائر في مؤسسة كارنيجي. وشارك فيه عدد كبير من الكُتَّاب والمتخصصين من أجل استعراض الجوانب المهمة ووجهات النظر المختلفة حول البرنامج النووي التركي.

ويستعرض الكتاب بدايات البرنامج النووي التركي، وصولاً إلى الوضع الراهن، مروراً بالإطار الإقليمي كمحدد رئيسي في الحسابات التركية إزاء امتلاك برنامج نووي، ويحاول الإجابة على التساؤل المتعلق بجدية تركيا في التحرك منفردة من أجل امتلاك برنامج نووي، ثم يستعرض الأسباب الواضحة والمنطقية لعدم الحاجة التركية لامتلاك سلاح نووي، والاكتفاء بالاستفادة من الاستخدامات السلمية فقط للطاقة النووية.

بدايات البرنامج النووي التركي

يستعرض الكاتب "Gurkan Kumbaroglu"، وهو أستاذ الهندسة بجامعة اسطنبول ورئيس الجمعية الدولية لاقتصاديات الطاقة، بدايات البرنامج النووي التركي، حيث ترجع هذه البدايات إلى عام 1955 حين وقعت تركيا اتفاقاً مبدئياً مع الولايات المتحدة من أجل إنشاء مفاعل نووي تركي صغير في مركز للبحوث النووية والتدريب باسطنبول، وذلك في إطار برنامج أيزنهاور المعروف باسم "الذرة من أجل السلام".

ونظراً للوضع السياسي غير المستقر في ظل وجود انقلابات عسكرية، فقد توقف العمل في ذلك المفاعل حتى عام 1977 عندما نجحت تركيا في تأسيس مركز آخر للبحوث النووية في أنقرة، لكنه لم يستمر طويلاً أيضاً بسبب دخول البلاد في انقلاب عسكري جديد، وبقي الأمر على ما هو عليه حتى صعود "رجب طيب أردوغان" وحزب العدالة والتنمية في عام 2002 إلى السلطة ليعود الاهتمام مرة أخرى بالطاقة النووية.

ويرى الكاتب أن ثمة حاجة تركية ملحة من أجل استخدام الطاقة النووية السلمية في إنتاج الكهرباء، وذلك لمواجهة النمو الاقتصادي التركي الكبير، وتحديداً في القطاعات الصناعية الضخمة، وهو ما دفع تركيا إلى بناء أول محطة نووية تركية في عام 2010، وهي محطة "Akkuya" النووية على البحر المتوسط، والتي تتكون من أربعة مفاعلات، وسوف يتم بناؤها من قِبل روسيا عن طريق هيئة "روس أتوم" الحكومية الروسية للطاقة النووية.

وتستهدف تركيا من هذه المحطة النووية توفير ما يقرب من 5% من احتياجاتها من الكهرباء عبر استخدام الطاقة النووية، ويتوقع أن تبدأ هذه المحطة في العمل بحلول عام 2020، حيث تمَّ في مايو 2010 توقيع اتفاق روسي ـ تركي بهذا الخصوص، وهو ما سيُسهم في تقليل متوسط سعر شراء الكهرباء عن تلك الأسعار التركية الحالية، وذلك باستخدام محطة الطاقة النووية، مما يزيد من ضرورات التوجُّه التركي النووي نحو الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.

الإطار الإقليمي كمُحدِّد للبرنامج النووي التركي

يشير "Sinan Ulgen" - الباحث بمؤسسة كارنيجي، إلى أن الحديث عن أي منطقة يُوجد بها أسلحة نووية يعني أنها تشكل معضلة أمنية للدول الموجودة فيها، خاصةً في منطقة الشرق الأوسط المليئة بالتوترات، فإذا تم الإعلان عن وجود دولة نووية، فإن بقية الدول سوف تحذو حذوها.

وعلى الرغم من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية المتوقعة في المنطقة، فإن مجرد الحديث عن امتلاك سلاح نووي هو بالأساس من أجل ردع أي خصوم محتملين، سواء كان ذلك بامتلاك الطاقة النووية أو حتى من خلال عقد تحالفات مع دول تنتج وتمتلك أسلحة نووية، من أجل القيام بالردع نيابةً عن حلفائها، خاصةً في ظل القيود التي تفرضها معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.

وفيما يتعلق بتركيا، فهي موجودة في بيئة محفوفة بالأسلحة النووية المرتبطة بالكثير من المعضلات الأمنية، خاصةً وأن تركيا تستضيف على أراضيها عدداً من القنابل النووية الأمريكية كجزء من وجودها في حلف الناتو.

ويشير الكاتب إلى التجربة السابقة للبرنامج النووي العراقي السري، والذي كان يجري العمل فيه على طول الحدود الشمالية التركية مع العراق، وكذلك برنامج سوريا لإنشاء مفاعل سري لإنتاج البلوتونيوم، فضلاً عن إيران التي تماطل في الكشف عن التفاصيل الكاملة لبرامجها النووية للوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويضيف إلى ذلك أن ثمة دولتين جارتين لتركيا هما إيران والعراق قد استخدما بالفعل أسلحة كيميائية في الحرب بينهما، وما زالت طهران لديها إيمان كامل بضرورة إنتاج أسلحة بيولوجية وكيميائية، إلى جانب سعيها النووي الحثيث.

وهنا يرى الكاتب "Dourk Ergun"، وهو باحث في مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية (EDAM)،  أن أنقرة تتعرض إلى مخاطر غير تقليدية، سواءً كانت داخلية أو خارجية بالقرب حتى من حدودها، وربما لم تواجه الدولة التركية مثل هذه المخاطر سابقاً، وهو ما يجعل توجُّه أنقرة نحو برنامج نووي خاص بها أمر ضروري وحيوي.

ويعتقد الكاتب أن تركيا عليها أن تستغل أدواتها التي تمتلكها، سواء كانت دبلوماسية أو عسكرية أو اقتصادية، من أجل حماية نفسها من المخاطر الأمنية المحيطة بها من كل جانب، وبما يؤثر إيجاباً في أمنها القومي، وكذلك الاقتناع بأن الضمانات الأمنية التي يمنحها لها ارتباطها بحلف الناتو آخذة في التآكل مع مرور الوقت.

الدوافع التركية لعدم امتلاك أسلحة نووية

يؤكد الكاتب "Izak Atiyas"، وهو أستاذ الدراسات الأوروبية بجامعة "سابانجي" التركية، أن ثمة نوعين من المهمات أمام أي تحركات تركية صوب الاستخدام السلمي للطاقة النووية، أولها: ضرورة وجود أسس تشريعية كافية تتعلق بالطاقة بالنووية، وثانيها: ضرورة وجود قدر كافِ من المساءلة والشفافية بشكل جوهري للسلطات المَعنية بذلك الأمر، وذلك نظراً لخطورة وأهمية استخدام الطاقة النووية، كما أن التحرُّك في هذين الاتجاهيين لابد أن يكون بشكل متواز.

وفي الإطار ذاته، يشير الكاتب "Can Kasapoglu"، المحلل العسكري والمتخصص في الدراسات الأمنية، إلى أن وجود قنابل نووية لحلف الناتو على الأراضي التركية يعكس إدراك أنقرة خطورة انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وهو ما يراه الكاتب ضرورياً لأمن تركيا، لأن وجود قنابل نووية للحلف على الأراضي التركية يشكل رادعاً كافياً يُغني أنقرة عن امتلاك السلاح النووي.

الأمر نفسه يؤكده الكاتب "Mark Hibbs"، الباحث البارز في برنامج السياسة النووية بمؤسسة كارنيجي، حيث يرى أن السياق الدولي العام المحيط بتركيا يجعلها أكثر نزوعاً نحو امتلاك برنامج سلمي للطاقة النووية من أجل الاستفادة من استخداماته المختلفة، وليس التوجُّه نحو امتلاك سلاح نووي، وهذا يأتي في إطار تفهُّم القيادة التركية للحوافز المرتبطة بامتلاك طاقة نووية سلمية بدلاً من الدخول في مواجهة دولية غير معلومة العواقب، أو أن يتحول الشرق الأوسط إلى سباق تسلُّح نووي سوف يقضي على الجميع.

مجمل القول، يستعرض هذا الكتاب كل ما يتعلق بمستقبل تركيا النووي، مُنطلقاً من البيئة الإقليمية المحيطة بأنقرة، حيث يؤكد الكتاب أن تركيا لن تحاول امتلاك سلاح نووي. ويمكن عرض أسباب ذلك بشكل موجز؛ على النحو التالي:

1 ـ لن تفكر أنقرة في امتلاك سلاح نووي في ظل ارتباطها الأمني والعسكري مع حلف الناتو، حيث تستضيف تركيا على أراضيها قنابل نووية للحلف، مما يشكٍّل عامل ردع قوي وكافٍ للدولة التركية، ويجعلها تستغني عن امتلاك سلاح نووي بتكلفة كبيرة ومرهقة اقتصادياً وسياسياً. كما أنه إذا سعت الحكومة التركية إلى الحصول على أسلحة نووية خاصة بها٬ فهذا من شأنه أن يُعرض هذه الضمانات الأمنية السابقة للخطر، وأن يتحول حلف الناتو ضد تركيا.

2 ـ إن سعي أنقرة لامتلاك أسلحة نووية – إن قررت ذلك - يتعارض مع جهودها المُضنية من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فمثل هذا التوجه سوف يؤثر على هيبة تركيا وقوتها الناعمة دولياً.

3 ـ إن تركيا دولة موقعة على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وهو ما يحظر عليها امتلاك سلاح نووي أو استخدام التكنولوجية النووية للأغراض العسكرية، وما يستتبعه ذلك من موقف دولي سوف يؤثر على تقدمها الاقتصادي.

4 ـ تعي تركيا جيداً خطورة دخول دول الشرق الأوسط في سباق للتسلُّح النووي، وما لذلك من تأثير على الأمن القومي التركي بشكل خاص، والأمن الإقليمي بشكل عام. كما أن الأسلحة النووية لن تجدي في الحد من المخاطر المحيطة بتركيا، والمتمثلة في احتمال تفكك الدولة السورية، وصعود تنظيم "داعش"٬ والنزعة الانفصالية الكردية. وقد تصبح العلاقات بين تركيا وإيران٬ والتي ظلت حتى الآن تحت السيطرة٬ أكثر ميلاً للتأزم.

5 ـ تفتقر تركيا إلى البنية الأساسية اللازمة لإنتاج الأسلحة النووية بسرعة٬ وسوف تحتاج البلاد إلى وقت طويل ­ربما أكثر من عشر سنوات­ لاكتساب هذه القدرة. وخلال هذه الفترة٬ سوف تواجه أنقرة ضغوطاً سياسية واقتصادية وأمنية قوية، ليس من جانب الولايات المتحدة وبلدان حلف الناتو فحسب٬ بل من قِبل روسيا وإيران وبلدان أخرى أيضاً.

وتشير كل هذه العوامل إلى المخاطر الجسيمة التي قد يفرضها السعي التركي إلى امتلاك الأسلحة النووية على الأمن التركي؛ إذ قد تنتهي هذه المخاطر بدورها إلى تفاقم الخلافات الداخلية في البلاد في وقت يكافح فيه "حزب العدالة والتنمية" الحاكم الحفاظ على مكانته السياسية والشعبية.

 * عرض مُوجز لكتاب: "مستقبل تركيا النووي"، والصادر عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، مارس 2015.

المصدر:

George Perkovich and Sinan Ulgen (Editors), Turkey’s nuclear Future (Washington, Carnegie Endowment for International Peace, March 2015).